فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

{وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم}.
تقدم تفسيره في سورة الأعراف {مسخرات} يعني مذللات مقهورات تحت قهره وإرادتهن وفيه رد على الفلاسفة والمنجمين لأنهم يعتقدون أن هذه النجوم هي الفعالة المتصرفة في العالم السفلي فأخبر الله تعالى أن هذه النجوم مسخرات في نفسها مذللات {بأمره} يعني بأمر ربها مقهورات تحت قهره يصرفها كيف يشاء، ويختار وأنها ليس لها تصرف في نفسها فضلًا عن غيرها، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى أنه خلق هذه النجوم وجعلها مسخرات لمنافع عباده ختم هذه الآية بقوله: {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} يعني أن كل من كان له عقل صحيح سليم علم أن الله سبحانه وتعالى، هو الفعال المختار وأن جميع الخلق تحت قدرته، وقهره وتسخيره لما أراده منهم.
{وما ذرأ لكم في الأرض} يعني وما خلق لكم في الأرض، وسخر لأجلكم من الدواب والأنعام والأشجار والثمار {مختلفًا ألوانه} يعني في الخلقة والهيئة والكيفية واختلاف ألوان المخلوقات مع كثرتها، حتى لا يشبه بعضها بعضًا من كل الوجوه، فيه دليل قاطع على كمال قدرة الله ولذلك ختم هذه الآية بقوله تعالى: {وهو الذي سخر لكم البحر}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}.
وقرأ الجمهور: {والشمس} وما بعده منصوبًا، وانتصب {مسخرات} على أنها حال مؤكدة إن كان {مسخرات} اسم مفعول، وهو إعراب الجمهور.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون المعنى: أنه سخرها أنواعًا من التسخير جمع مسخر بمعنى: تسخير من قولك: سخره الله مسخرًا، كقولك: سرحه مسرحًا، كأنه قيل: وسخرها لكم تسخيرات بأمره انتهى.
وقرأ ابن عامر: {والشمس} وما بعده بالرفع على الابتداء والخبر، وحفص {والنجوم مسخرات} برفعهما، وهاتان القراءتان يبعدان قول الزمخشري إنّ {مسخرات} بمعنى تسخيرات.
وقرأ ابن مسعود، والأعمش، وابن مصرف: {والرياح مسخرات} في موضع، {والنجوم} وهي مخالفة لسواد المصحف.
والظاهر في قراءة نصب الجميع أنّ {والنجوم} معطوف على ما قبله.
وقال الأخفش: {والنجوم} منصوب على إضمار فعل تقديره: وجعل النجوم مسخرات، فأضمر الفعل.
وعلى هذا الإعراب لا تكون {مسخرات} حالًا مؤكدة، بل مفعولًا ثانيًا لجعل إن كان جعل المقدرة بمعنى صير، وحالًا مبينة إن كان بمعنى خلق.
وتقدم شرح تسخير هذه النيرات في الأعراف.
وجمع الآيات هنا، وذكر العقل، وأفرد فيما قبل، وذكر التفكر لأنّ فيما قبل استدلالًا بإنبات الماء وهو واحد وإن كثرت أنواع النبات، والاستدلال هنا متعدّد، ولأنّ الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة، وأبين شهادة للكبرياء والعظمة.
وما درأ معطوف على الليل والنهار يعني: ما خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك مختلفًا ألوانه من البياض والسواد وغير ذلك.
وقيل: مختلفًا ألوانه أصنافه كما تقول: هذه ألوان من الثمر ومن الطعام.
وقيل: المراد به المعادن.
إنّ في ذلك أي: فيما ذرأ على هذه الحال من اختلاف الألوان، أو أنّ في ذلك أي: اختلاف الألوان.
وختم هذا بقوله: {يذكرون} ومعناه الاعتبار والاتعاظ، كان علمهم بذلك سابق طرأ عليه النسيان فقيل: يذكرون أي: يتذكرون ما نسوا من تسخير هذه المكونات في الأرض. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَسَخَّر لَكُمُ الليل والنهار}.
يتعاقبان خِلْفةً لمنامكم ومعاشِكم ولعقد الثمار وإنضاجها {والشمس والقمر} يدأبان في سيرهما وإنارتهما أصالةً وخلافةً وإصلاحِهما لما نيط بهما صلاحُه من المكونات التي من جملتها ما فُصّل وأُجْمل، كلُّ ذلك لمصالحكم ومنافعكم، وليس المرادُ بتسخيرها لهم تمكينَهم من تصريفها كيف شاءوا كما في قوله تعالى: {سبحان الذي سَخَّرَ لَنَا هذا} ونظائرِه، بل هو تصريفُه تعالى لها حسبما يترتب عليه منافعُهم ومصالحُهم كأن ذلك تسخيرٌ لهم وتصرفٌ من قبلهم حسب إرادتِهم، وفي التعبير عن ذلك التصريف بالتسخير إيماء إلى ما في المسخَّرات من صعوبة المأخذ بالنسبة إلى المخاطبين، وإيثارُ صيغةِ الماضي للدلالة على أن ذلك أمرٌ واحدٌ مستمر وإن تجددت آثارُه.
{والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ} مبتدأٌ وخبرٌ، أي سائرُ النجومِ في حركاتها وأوضاعها من التثليث والتربيع ونحوهما مسخراتٌ لله تعالى أو لما خُلقن له بإرادته ومشيئتِه، وحيث لم يكن عَودُ منافعِ النجوم إليهم في الظهور بمثابة ما قبلها من المَلَوَين والقمَرَين لم يُنسَبْ تسخيرُها إليهم بأداة الاختصاص بل ذُكر على وجه يفيد كونَها تحت ملكوتِه تعالى من غير دِلالةٍ على شيء آخرَ ولذلك عُدِل عن الجملة الفعليةِ الدالة على الحدوث إلى الاسمية المفيدة للدوام والاستمرار.
وقرئ برفع {الشمس} و{القمر} أيضًا، وقرئ بنصب {النجوم} على أنه مفعولٌ أولٌ لفعل مقدر ينبىء عنه الفعلُ المذكور، و{مسخراتٌ} حالٌ من الكل والعامل ما في {سخّر} من معنى نفعَ أي نفعكم بها حالَ كونها مسخراتٍ لله الذي خلقها ودبرها كيف شاء، أو لما خُلقن له بإيجاده وتقديرِه أو لحكمه، أو مصدرٌ ميميّ جُمع لاختلاف الأنواعِ أي أنواعًا من التسخير، وما قيل من أن فيه إيذانًا بالجواب عما عسى يقال أن المؤثرَ في تكوين النباتِ حركاتُ الكواكب وأوضاعُها بأن ذلك إنْ سَلِم فلا ريب في أنها أيضًا أمورٌ ممكنةُ الذات والصفات، واقعةٌ على بعض الوجوه الممْكِنة فلابد لها من موجد مخصّصٍ مختار واجبِ الوجود دفعًا للدَّوْر والتسَلْسُل، فمبناه حسبانُ ما ذُكر أدلةً على وجود الصانع تعالى وقدرته واختيارِه، وأنت تدري أنْ ليس الأمرُ كذلك فإنه ليس مما ينازَع فيه الخصمُ ولا يتلعثم في قبوله، قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ} وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السماء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله} الآية، وإنما ذلك أدلةُ التوحيد من حيث إن مَنْ هذا شأنُه لا يتوهم أن يشاركه شيءٌ في شيء فضلًا عن أن يشاركه الجمادُ في الألوهية.
{إِنَّ في ذَلِكَ} أي فيما ذكر من التسخير المتعلّق بما ذكر مُجملًا ومفصلًا {لاَيَاتٍ} باهرةً متكاثرة {لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وحيث كانت هذه الآثارُ العلويةُ متعددةً ودلالةُ ما فيها من عظيم القدرة والعلم والحكمةِ على الوحدانية أظهرَ جُمع الآياتُ وعُلّقت بمجرد العقلِ من غير حاجةٍ إلى التأمل والتفكر، ويجوز أن يكون المرادُ لقوم يعقلون ذلك، فالمشار إليه حينئذ تعاجيبُ الدقائق المُودعةِ في العلويات المدلولِ عليها بالتسخير التي لا يتصدَّى لمعرفتها إلا المهَرةُ من أساطين علماء الحكمة، ولا ريب في أن احتياجَها إلى التفكر أكثرُ.
{وَمَا ذَرَأَ} عطفٌ على قوله تعالى: {والنجوم} رفعًا ونصبًا على أنه مفعولٌ لجعل أي وما خلق {لَكُمْ في الأرض} من حيوان ونبات حالِ كونه {مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} أي أصنافُه، فإن اختلافها غالبًا يكون باختلاف اللون مسخرٌ لله تعالى أو لما خُلق له من الخواصّ والأحوال والكيفياتِ، أو جُعل ذلك مختلفَ الألوان أي الأصنافِ لتتمتعوا من ذلك بأي صنف شئتم، وقد عُطف على ما قبله من المنصوبات، وعُقِّب بأن ذكرَ الخلق لهم مغنٍ عن ذكر التسخير، واعتُذر بأن الأولَ يستلزم الثانيَ لزومًا عقليًا لجواز كونِ ما خُلق لهم عزيزَ المرام صعبَ المنال، وقيل: هو منصوبٌ بفعل مقدر أي خلق وأنبت على أن قوله: {مختلفًا ألوانه} حالٌ من مفعوله {إِنَّ في ذَلِكَ} الذي ذكر من التسخيرات ونحوها {لآيَةً} بينةَ الدِلالةِ على أن مَنْ هذا شأنُه واحد لا نِدَّ له ولا ضِدّ {لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} فإن ذلك غيرُ محتاج إلا إلى تذكرِ ما عسى يُغفَل عنه من العلوم الضرورية، وأما ما يقال من أن اختلافها في الطباع والهيئات والمناظر ليس إلا بصنع صانعٍ حكيم، فمدارُه ما لوّحنا به من حسبان ما ذُكر دليلًا على إثبات الصانعِ تعالى، وقد عرفتَ حقيقةَ الحال فإن إيراد ما يدل على اتصافه سبحانه بما ذكر من صفات الكمالِ ليس بطريق الاستدلالِ عليه، بل من حيث إن ذلك من المقدِّمات المسلَّمةِ جيء به للاستدلال به على ما يقتضيه ضرورةُ وحدانيته تعالى واستحالةُ أن يشاركَه شيء في الألوهية. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}.
يتعاقبان خلفة لمنامكم واستراحتكم وسعيكم في مصالحكم من الأسامة وتعهد حال الزرع ونحو ذلك {والشمس والقمر} يدأبان في سيرهما وإنارتهما إصالة وخلافة وأدائهما ما نيط بهما من تربية الأشجار والزروع وإنضاج الثمرات وتلوينها وغير ذلك من التأثيرات المترتبة عليهما بإذن الله تعالى حسبما يقوله السلف في الأسباب والمسببات، وليس المراد بتسخير ذلك للمخاطبين تمكينهم من التصرف به كيف شاؤا كما في قوله تعالى: {سبحان الذي سَخَّرَ لَنَا هذا} [الزخرف: 13]، ونحوه بل تصريفه سبحانه لذلك حسبما يترتب عليه منافعهم ومصالحهم كأن ذلك تسخير لهم وتصرف من قبلهم حسب إرادتهم قاله بعض المحققين.
وقال آخرون: إن أصل التسخير السوق قهرًا ولا يصح إرادة ذلك لأن القهر والغلبة مما لا يعقل فيما لا شعور له من الجمادات كالشمس والقمر وعدم تعقله في نحو الليل والنهار أظهر من ذلك فهو هنا مجاز عن الإعداد والتهيئة لما يراد من الانتفاع، وفي ذلك إيماء إلى ما في المسخر من صعوبة المأخذ بالنسبة إلى المخاطبين.
وذكر الإمام في المراد من التسخير نحو ما ذكر أولًا ثم ذكر وجهًا آخر قال فيه: إنه لا يستقيم إلا على مذهب أصحاب الهيئة وهو أنهم يقولون: الحركة الطبيعية للشمس والقمر هي الحركة من المغرب إلى المشرق فالله تعالى سخر هذه الكواكب بواسطة حركة الفلك الأعظم من المشرق إلى المغرب فكانت هذه الحركة قسرية فلذا ورد فيها لفظ التسخير، وذكر أيضًا أن حدوث الليل والنهار ليس إلا بسبب حركة الفلك الأعظم دون حركة الشمس وأما حركتها فهي سبب لحدوث السنة ولذا لم يكن ذكر الليل والنهار مغنيًا عن ذكر الشمس اه؛ ولا يعترض عليه بأن ما ذكره من قوله: إن حدوث الليل والنهار إلى آخره لا يتأتى في عرض تسعين لأن الليل والنهار لا يحصلان إلا بغروب الشمس وطلوعها وهي هناك لا تغرب ولا تطلع بحركة الفلك الأعظم بل بحركتها الخاصة ولذا كانت السنة يومًا وليلة لما أن ذلك العرض غير مسكون وكذا ما يقرب منه فلا يدخل في حيز الامتنان.
نعم في كلامه عند المتمسكين بأذيال الشريعة غير ذلك فلينظر؛ وفي كون الشمس والقمر مما لا شعور لهما خلاف بين العلماء فذهب البعض إلى أنهما عالمان وهو الذي تقتضيه الظواهر وإليه ذهب الصوفية والفلاسفة، ولم أشعر بوقوع خلاف في أن الليل والنهار مما لا شعور لهما، نعم رأيت في البهجة القادرية عن القطب الرباني الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره العزيز أن الشهر أو الأسبوع يأتيه في صورة شخص فيخبره بما يحدث فيه من الحوادث، ولعل هذا على نحو ظهور القرآن يوم القيامة في صورة الرجل الشاحب وقوله لمن كان يحفظه: أنا الذي أسهرتك في الدياجي وأظمأتك في الهواجر وظهور الموت في صورة كبش أملح وذبحه بين الجنة والنار يوم القيامة كما جاء في الخبر، وعليك بالإيمان بما جاء عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وأنت في الإيمان بغيره بالخيار، وإيثار صيغة الماضي قيل للدلالة على أن ذلك التسخير أمر واحد مستمر وإن تجددت آثاره {والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ} مبتدأ وخبر أي وسائر النجوم البيبانية وغيرها في حركاتها وأوضاعها المتبدلة وغير المتبدلة وسائر أحوالها مسخرات لما خلقت له بخلقه تعالى وتدبيره الجاري على وفق مشيئته فالأمر واحد الأمور، وجوز أن يكون واحد الأوامر ويراد منه الأمر التكويني عند من لا يقول بإدراك النجوم، والمعنى أنها مسخرة لما خلقت له بقدرته تعالى وإيجاده، قيل: وحيث لم يكن عود منافع النجوم إليهم في الظهور بمثابة ما قبلها من الجديدين والنيرين لم ينسب تسخيرها إليهم بأداة الاختصاص بل ذكر على وجه يفيد أنها تحت ملكوته عز وجل من غير دلالة على شيء آخر، ولذلك عدل عن الجملة الفعلية الدالة على الحدوث إلى الاسمية المفيدة للدوام والاستمرار، وقرأ ابن عامر برفع {الشمس والقمر} أيضًا فيكون المبتدأ الشمس والبواقي معطوفة عليه و{مسخرات} خبر عن الجميع، ولا يتأتى على هذه القراءة ما في وجه عدم نسبة تسخير ذلك إليهم بأداة الاختصاص كما لا يخفى، واعتبار عدم كون ظهور المنافع بمثابة السابق بالنظر إلى المجموع كما ترى.
ومن الناس من قال في ذلك: إن المراد بتسخير الليل والنهار لهم نفعنم بهما من حيث أنهما وقتا سعي في المصالح واستراحة ومن حيث ظهور ما يترتب عليه منافعهم مما نيط به صلاح المكونات التي من جملتها ما فصل وأجمل مثلًا كالشمس والقمر فيهما، ويؤل ذلك بالآخرة إلى النفع بذلك وهو معنى تسخيره لهم، فيكون تسخير الليل والنهار لهم متضمنًا لتسخير ذلك لهم فحيث أفاده الكلام أولًا استغنى عن التصريح به ثانيًا وصرح بما هو أعظم شأنًا منه وهو أن تلك الأمور لم تزل ولا تزال مقهورة تحت قدرته منقادة لإرادته ومشيئته سواء كنتم أو لم تكونوا فليتدبر، وقرأ الجمهور: {والنجوم والجبال مسخرات} بالنصب فيهما، وكذا فيما تقدم، وخرج ذلك على أن {النجوم} مفعول أول لفعل محذوف ينبىء عنه الفعل المذكور و{مسخرات} مفعول ثان له، أي وجعل النجوم مسخرات، وجوز جعل جعل بمعنى خلق المتعدي لمفعول واحد فمسخرات حال، واستظهر أبو حيان كون {النجوم} معطوفًا على ما قبله بلا إضمار و{مسخرات} حينئذٍ قيل حال من الجميع على أن التسخير مجاز عن النفع أي أنفعكم بها حال كونها مسخرات لما خلقت له مما هو طريق لنفعكم وإلا فالحمل على الظاهر دال على أن التسخير في حال التسخير بأمره ولا كذلك لتأخر الأول، وقيل: لذلك أيضًا: إن المراد مستمرة على التسخير بأمره الإيجادي لأن الإحداث لا يدل على الاستمرار، وجوز بعض أجلة المعاصرين أن يكون حالًا موكدة بتقدير {بِأَمْرِهِ} متعلقًا {بسخر} والكلام من باب التنازع، وقبوله مفوض إليك، وقيل: هو مصدر ميمي كمسرح منصوب على أنه مفعول مطلق لسخر المذكور أولًا وسخرها مسخرات على منوال ضربته ضربات، وجمع إشارة إلى اختلاف الأنواع، وفي إفادة تسخير ما ذكر إيذان بالجواب عما عسى يقال: إن المؤثر في تكوين النبات حركات الكواكب وأوضاعها فإن ذلك أن سلم فلا ريب في أنها ممكنة الذات والصفا واقعة على بعض الوجوه مع احتمال غيره ترجيح بلا مرجح مختار لما أن الإيجاب ينافي الترجيح واجب الوجود دفعًا للدور أو التسلسل كذا قاله بعض الأجلة، واعترضه المولى العمادي بأنه مبني على حسبان ما ذكر أدلة الصانع تعالى وقدرته واختياره، وليس الأمر كذلك فإنه مما لا ينازع فيه الخصم ولا يتلعثم في قبوله قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61]، وقال سبحانه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السماء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله} [العنكبوت: 63]. الآية وإنما ذلك أدلة التوحيد من حيث أن من هذا شأنه لا يتوهم أن يشاركه شيء في شيء فضلًا أن يشاركه الجماد في الألوهية اه، وتعقب بأن كون ما ذكر أدلة التوحيد لا يأبى أن يكون فيه إيذان بالجواب عما عسى يقال وأي ضرر في أن يساق شيء لأمر ويؤذن بأمر آخر، ولعمري لا أرى لهذا الاعتراض وجهًا بعد قول القائل في ذلك إيذان بالجواب عما عسى يقال الخ حيث لم يبت القول وأقحم عسى في البين لكن للقائل كلام يدل دلالة ظاهرة على أنه اعتبر الأدلة المذكورة أدلة على وجود الصانع عز شأنه أيضًا وقد سبقه في ذلك الإمام.